أخبار الآحاد
الفصل الثاني الخلاف في دلالة السمع على وجوب العمل بخبر الواحد
فقد حققنا فيما سبق أن خبر العدل يفيد العلم اليقيني، وعليه فإن من خالفه عنادا يكفر بعد إقامة الحجة عليه.
ولكن المتكلمين في هذا الموضوع كغيره اعتمدوا كونه ظني الثبوت واختلفوا فيه على قولين:
القول الأول أنه لا يجب العمل به سمعا : رأس>
وهو قول الجبائي اسم> ومن تبعه من المعتزلة في نفي جوازه عقلا ، وقاله أيضا بعض من جوَّزه عقلا كالقاساني اسم> من الظاهرية، وابن داود اسم> وجمهور القدرية والرافضة.
وقد استدلوا بأدلة:
أولا من القرآن: كقوله تعالى: رسم> وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ قرآن> رسم> وقوله حكاية عن أولاد يعقوب: رسم> وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا قرآن> رسم> وقوله: رسم> قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ قرآن> رسم> وقوله حكاية عن الذين كفروا: رسم> إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ قرآن> رسم> وقوله: رسم> قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ قرآن> رسم> ونحوها من الآيات.
فيقال : سبق أن استدل بهذه الآيات على إفادة الآحاد العلم اليقيني ، وأن جعلها ظنية ، مما تسلط به المعتزلة على ردها مطلقا في الأصول والفروع، استدلالا بهذه الآيات التي فيها النهي عن القول على الله بلا علم، وذم اتباع الظن .
ولكن المتكلمين القائلين بوجوب العمل بها مع كونها ظنية أجابوا عن هذه الآيات بعدة أجوبة .
1- فمنها : أن امتناع التعبد بخبر الواحد ليس عليه دليل قطعي، فمن نفاه فإنما عمدته الظن فيدخل في الذم المذكور في هذه الآيات .
2- ومنها : أن الظن المنهي عن اتباعه خاص بما المطلوب فيه العلم كالعقائد .
3- ومنها: أن القول بموجب الآحاد، والعمل به عمدته الإجماع، وهو دليل قطعي، ليس العمدة الآحاد التي هي ظنية.
4- وأحسن ما أجيب به على قولهم أن الظن المذموم أريد به التخرص والوهم الذي ليس له مستند، بخلاف الظن الراجح، فهو ملحق بالقطعي في وجوب العمل به، ولا يصدق على من قال به أنه قال على الله بلا علم.
ثانيا من السنة:
رد النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر ذي اليدين اسم> رسم> لما سلم النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشى عن اثنتين، فقال له ذو اليدين اسم> أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ فقال: ( لم أنس ولم تقصر) فقال: بلى قد نسيت رسم> فلم يعمل بقوله حتى سأل الحاضرين معه. متفق عليه .
فيقال: إنما رد عليه السلام خبر ذي اليدين اسم> لمخالفته لما يعتقده من إتمام الصلاة ولاستبعاد انفراده بمعرفة النقص دون غيره، ولا شك أن هذا مما يجعل الوهم يتطرق إليه، فبموافقة آخر له يزول الوهم. ثم يقال : إنه عليه الصلاة والسلام عمل بخبره مع خبر أبي بكر وعمر، وهو لا يخرج بذلك عن الآحاد.
(ج) ومن الأدلة ما اشتهر عن بعض الصحابة من عدم قبول بعض الأخبار، فقد رد أبو بكر اسم> خبر المغيرة اسم> في ميراث الجدة، حتى شهد معه محمد بن مسلمة اسم> ورد عمر اسم> خبره أيضا في إملاص المرأة حتى أخبره بذلك محمد بن مسلمة اسم> أيضا متفق عليه.
وفي الصحيح أيضا أن عمر اسم> رد خبر أبي موسى اسم> في الاستئذان، حتى شهد معه أبو سعيد اسم> وردت عائشة اسم> خبر ابن عمر اسم> في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ورد على خبر ابن سنان الأشجعي اسم> في المفوضة وأمثال ذلك .
فيقال : إنما ذلك لعارض، وهو إمكان الخطأ، واستبعاد أن ينفرد عنهم مثل هذا الراوي، بهذه السنة الظاهرة.
فطلبهم لمن يشهد معه إنما هو من باب التثبت، وتقوية الخبر، ولا شك أن الخبر كلما كثرت نقلته ازدادت إليه طمأنينة النفس. ألا ترى العالم يروي الحديث من خمسة طرق، ثم إذا سمع زيادة سادس أو سابع كتبها، لأن الخبر كلما تواتر كان أثبت للحجة، وأقطع للخصم، ولذلك قال عمر اسم> لأبي موسى اسم> إني لم أتهمك، ولكني أردت أن أتثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أجيب عن كل أثر بجواب خاص، يبين أن ردهم لذلك لم يكن عن شك، وإنما هو لأسباب مبررة.
على أن انضمام راو إلى آخر لا يخرجها عن كونها آحادا كما لا يخفى.
مسألة>